مدينة النمرود .. مدينة الكنوز الذهبية

مدينة نمرود :-
ثاني العواصم الأشورية من حيث تاريخ التأسيس ، وربما أكثرها روعةً من حيث الآثار الباقية( ) ، وقال فيها مالوان “ لا يوجد في بلاد آشور كلها أجمل من ( نمرود ) ”( ) ، وردت تسميتها في النصوص المسمارية بصيغة ( كلخُ / kalhu )( ) وهي صيغة أكدية ، كما ورد ذكرها في التوراة بصيغة ( كالح )( ) ، وتسمى المدينة حالياً بـ ( نمرود ) ، وقد اختلف الباحثون في اصل هذه التسمية ونسبتها( ) .
تقع كلخو ( نمرود ) في شمال العراق عند التقاء نهر الزاب الأعلى بنهر دجلة جنوب شرقي الموصل وتبعد عن الموصل مسافة ( 37 كم ) ( ) .

وتقع مدينة كلخو ( نمرود ) على الضفة الشرقية من نهر دجلة فوق مرتفع تحيط به أراضي زراعية ويقع جبل مقلوب وجبل بعشيقة في الشمال من المدينة ومن الجنوب جبل مخمور ومرتفعات الصفرة( ) ، والمدينة محاطة أيضاً من جهة الجنوب بقناة قديمة تعرف بـ ( باتي – خيكالي ) فضلاً عن أنها محمية من هذه الجهة ومن جهة الشرق بنهر الزاب الأعلى( ) ، ومن جهة الغرب محمية بنهر دجلة .

وكان اختيار موضع المدينة في هذا الموقع متأتي نتيجة دراسة دقيقة لما تميز به الموقع من ميزات عسكرية وسياسية واقتصادية وجغرافية ، أما الناحية العسكرية كان الأشوريون مهددين بأخطار هجمات الأقوام الجبلية من الشرق وعملوا على إيجاد موقع للهجوم وتأمين الإمدادات العسكرية في حال التصدي لهذه الأقوام ، حيث كانت وظيفة المدينة الرئيسة هي أن تستخدم كقاعدة للجيش في حملاته العسكرية السنوية ولاسيما في القرن التاسع ق.م كما استمر استخدامها كمركز عسكري في القرن الثامن ق.م خلال حكم الملك الآشوري سرجون الثاني ( 722-705 ق.م )( ) ، أما الناحية السياسية فهي رغبة الملوك الآشوريون في الابتعاد عن رجال الدين في مدينة آشور للتقليل من هيمنتهم على الإمبراطورية ، واقتصادياً لما يتمتع به الموقع من مقومات الزراعة من خصوبة الأرض ووفرة المياه ، وبما أن المدينة تمثل حلقة وصل بين المدن الآشورية المهمة والمدن الأخرى التي تحيط بها فهي ذات أهمية جغرافية بالنسبة لموقعها( ) .

أما البدايات التاريخية لتأسيس هذه المدينة فتعود إلى عصور موغلة في القدم حيث أن التنقيبات الأثرية التي أجريت في الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة والتي تضم القسم الأعظم من بقايا المدينة آثار استيطان الإنسان فيها منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد ، وهي الفترة التي أطلق عليها ( عصر نينوى V )( ) ، وبعد انتعاش سياسي وتوسع آشوري في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد قرر الملك الآشوري شلمنصر الأول ( 1273-1244 ق.م ) بناء عاصمة جديدة له فكانت مدينة كلخو ( نمرود ) ، حيث أثبتت المكتشفات الأثرية ذلك من خلال اكتشاف اجر مختوم بأسم شلمنصر الأول في الجانب الشرقي من المدينة ( ) .
وبعد شلمنصر الأول هجرت المدينة وأهملت ، إلا أن موقعها الاستراتيجي المهم دفع الملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني ( 883-859 ق.م ) إلى إعادة بنائها وتجديدها واتخاذها عاصمةً له ، حيث بذل جهوداً كبيرة في هذه المدينة فقد سوى أنقاضها القديمة بالأرض ووسع رقعة أبنيتها وشيد حولها سوراً ضخماً مدعماً بالحصون وأبراج الدفاع بلغ محيطه ( 8 كم ) وشيد لها مسناة من الحجر المهندم على نهر دجلة وجلب إلى المدينة قناة مائية ( قناة باتي أو النكوب ) يبلغ طولها 12كم ربط بها بين المدينة والزاب الأعلى لزيادة حمايتها والإفادة منه في الري لزراعة السهل المجاور( ) ، كما زود أبنيتها بنظام مجاري المياه كذلك زرعها بالبساتين وسكن فيها ناس من مختلف أرجاء إمبراطوريته ، وعند تدشينها أقام احتفالاً كبيراً لمدة أسبوع دعا إليه عدد كبير من الضيوف وقدم أنواع كثيرة ومختلفة من المأكولات والأطعمة وقد دون هذا في نصوص مسمارية( ) ، فكان بحق مؤسسها الثاني واهم الملوك الذين حكموها وأقاموا فيها كعاصمة للإمبراطورية الآشورية .
وأعقبه ابنه الملك شلمنصر الثالث ( 858-824 ق.م ) الذي قام بأعمال عمرانية كثيرة في هذه المدينة فقد بنى له قصراً في الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة وكذلك أكمل بناء الزقورة ومعبد ننورتا الذي بدء بتشييده والده( ).
وبقت كلخو ( نمرود ) عاصمة للملوك الآشوريين وكان لهم فيها عدة أعمال بنائية ومن هؤلاء الملوك ادد-نيراري الثالث وتجلاتبليزر الثالث وسرجون الثاني واسرحدون ، قبل أن يهجرها سنحاريب ويتخذ نينوى عاصمةً له ، وكان سقوط المدينة عام 614 ق.م على أيدي الميديين والبابليين( ) .
وردت إلى المدينة بعثات تنقيبية كثيرة كان بدايتها مع عمل لايارد ولوفتوس وجورج سمث في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، ثم وصل الى الموقع ( مالوان ) وعمل في هذا الموقع للفترة من ( 1949-1963 م ) ( ) وقد شاركه في هذا العمل محمود الأمين وروبرت هاملتن وزوجته الكاتبة الشهيرة اجاثا كرستي( ) ، والتي كتبت جل قصصها في نمرود( ) ، وقد اجتهد مالوان في هذا الموقع وكشف عن العديد من الآثار المهمة من مباني وكنوز وثقها ونشرها بمؤلفات كثيرة كان أهمها كتابه الموسوم Nimrud and it’s remains( ).
ثم بعد ذلك انضم إليه ( ديفيد اوتس ) وبالتحديد في الموسم الخامس للتنقيبات في عام 1953م( ) ، وأكمل التنقيبات في هذا الموقع بعد ذلك الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية( ).
والمدينة في مخططها العام مستطيلة الشكل تقريباً ، لعبت عدة عوامل طبوغرافية وسياسية واقتصادية في تخطيطها ، مساحتها زهاء ( 3.5كم2 )( ) .

لها سور يحيط بها يبلغ طوله ، كما المحنا سابقاً ، زهاء ( 8كم ) ويقدر ارتفاعه بـ ( 15م ) يضم مرتفعات بنائية في الزاويتين الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية والتي بنيت على مصطبة مبنية من البن ترتفع ما يزيد على أربعين قدما فوق مستوى النهر الذي كانت تطل عليه مسناة حجرية ضخمة( ) .

وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن عدة أبنية في مدينة كلخو ( نمرود ) كان أهمها :
- الزقورة التي ترتفع بقاياها نحو 17م ، وتقع في الزاوية الشمالية الغربية من المدينة .
- معبد ننورتا ويقع في نفس الجهة من المدينة جنوبي الزقورة بالتحديد .
- معبد عشتار في الجهة الشرقية للزقورة .
- قصر آشور ناصربال الثاني ويقع في الجهة الشمالية الغربية من المدينة لذا سمي بالقصر الشمالي الغربي .
- المسناة التي تقع في الحافة الغربية وتعتبر بمثابة السور الذي يحمي المدينة من هذه الجهة شيدها آشور ناصربال الثاني على الحافة الشرقية لنهر دجلة عندما كان يجري بمحاذاة المدينة ، ويبلغ طول اجزء المكتشف منها حوالي 200م وارتفاعه حوالي 10م وهي من الحجارة المهندمة .
- قصر ادد نيراري الثالث يقع هذا القصر في جنوب قصر آشور ناصربال الثاني .
- القصر المركزي يقع في وسط المدينة والذي سكنه عدد من الملوك .
- قصر الملك اسرحدون والذي يعرف بالقصر الجنوبي الغربي ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة .
- وهناك قصر اشور-اتل-ايلاني الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية .
- وبعد سقوط كلخو ( نمرود ) سكنتها قبائل خضعت للحكام الهلنستيين واستمر السكن فيها مدة طويلة من الزمن تزيد عن القرن فتكونت قرية هلنستية كشفت عنها التنقيبات الأثرية في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية ووجدت فيها ست طبقات بنائية .
- ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية معبد نابو المشيد من قبل الملكة شمورامات واتخذ معبد رئيس في كلخو ( نمرود ) ويحتوي على وحدات بنائية متنوعة وكثيرة .
- والى الغرب من هذا المعبد يقع قصر الملك الآشوري سرجون الثاني حيث يفصل بينهما شارع ضيق والقصر الذي يسمى بالقصر المحروق قائم على آثاراً أقدم منه تعود لملوك آشوريين سبقوا سرجون الثاني .
- ويقع شمال معبد نابو قصر الحاكم ويتألف من بناية كبيرة ذات ساحة واسعة تحيطها غرف وربما كان البناء من عهد الملك ادد نيراري الثالث واستمر السكن فيه ، وقد وردت تسميته بهذا الاسم ( قصر الحاكم ) في نص مسماري عثر عليه في نفس القصر( ) .
- أما البيوت السكنية الخاصة فتقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة ، واهم ما يلاحظ فيها هو وجود بيوت لطبقة الأغنياء الذين يهوون اقتناء الأشياء الثمينة وهذا ما دلت عليه المكتشفات الأثرية في هذه المنطقة .
- وقد تمكنت بعثة عراقية تابعة للهيئة العامة للآثار والتراث من الكشف عن أربعة من المدافن المخصصة لنساء القصر الآشوري في مدينة نمرود وبالتحديد في القسم الجنوبي من قصر آشور ناصربال الثاني وقد أسفرت التنقيبات عن العثور على كمية كبيرة من الكنوز الذهبية والتي دفنت مع الملكات والأميرات في تلك المدافن( ) .
- وأخيراً أهم منطقة في المدينة وهي تمثل وحدة بنائية ثانية في المدينة وتسمى بـ ( حصن شلمنصر ) وتقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة ، وهو الحصن الذي بناه الملك شلمنصر الثالث ويشمل مساحة تقدر بـ ( 350x250م ) ويضم هذا الحصن خمس وحدات بنائية متشابهة ومتناظرة تقريباً تتألف كل منها من مجموعة من الغرف والمخازن والحمامات تحيط بساحة واسعة في الوسط خصصت أحداها للإدارة والسكن والأخرى لمستودع كبير أما الوحدات البنائية الثلاث الأخرى فقد اتخذت كمخازن عسكرية ومقرات لإيواء الجنود .
وكان هذا الحصن مسور بسور فيه عدة أبراج خارجية ومدخلين احدهم يعتبر مدخلاً رئيسياً يقع في السور الغربي الذي يبلغ طوله 200م( ) .

أما عملية التزود بالمياه فكانت تعتمد على قرب نهر دجلة أولاً من المدينة كذلك وجود الآبار التي تعد مصدراً مهماً يتزود السكان منها بالمياه لاسيما وقت الحصار على المدينة أو في السنوات التي ينخفض فيها مستوى مياه نهر دجلة ، إذ كان الماء يسحب من البئر بواسطة بكرة خشبية يلف حولها حبل ويعلق بطرف منه رقبة الإناء الفخاري أو مقبضه( ) .
أما بالنسبة إلى السكان وعددهم في هذه المدينة فقد حاول ديفيد اوتس وضع تقدير لعدد السكان في كلخو ( نمرود ) من خلال مقارنة السكان المحليين الذي عملوا معه وقت عمله في الموقع ، ومن خلال تحديد المسافة التي يمكن أن يكون قد وصل إليها السكن في الموقع ، وقدر اوتس عدد السكان في المدينة بحوالي 25,000 نسمة ، بينما مالوان قدر عدد السكان في هذه المدينة بحوالي 100,000 نسمة( ) .
ويبقى أن نشير إلى أهم المكتشفات الأثرية في النمرود وهي عاجيات نمرود الذائعة الشهرة ، والتي تعتبر من الكنوز المهمة المكتشفة في آبار المدينة( ) .

بارك الله بيك على هذا الشرح المفصل لهذة العاصمة التاريخة القديمة التي تدل على ثقافة وتاريخ اهل الموصل

شكرا اخي العزيز
على الشرح المفصل
عاشت ايدك ورجلك

» نبذة تاريخية عن مدينة الموصل
» مدينة نينوى عاصمة الدولة الاشورية